سورة هود - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قلت: قال الشطيبي: صالح: هو ابن عبيد بن عابرَ بن أرْفَخْشد بن سام بن نوح. وثمود هم أولاد ثمود بن عوص بن عاد بن إرم بن سام بن نوح. اهـ. وفيه نظر؛ فقد ذكر البيضاوي في سورة الأعراف أن بين صالح ونوح تسعة أجداد، فانظره.
يقول الحق جل جلاله: {و} أرسلنا {إلى ثمودَ أخاهم صالحاً قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيرُه هو أنشأكم من الأرض} كونكم من الأرض؛ لأنه خلق آدم منها، والنطف التي هي مواد نسله أصها منها، {واستعمركم}؛ عمركم {فيها} وجعلكم تعمرونها بعد من مضى قبلكم، ثم تتركونها لغيركم. أو استبقاكم فيها مدة أعماركم، ثم ترحلون عنها. {فاستغفروه ثم توبوا إليه أن ربي قريبٌ} من كل شيء {مجيبٌ} لمن دعاه.
{قالوا يا صالحُ قد كنت فينا مرجُواً قبل هذا} أي: كنا نرجو أن ننتفع بك؛ لما نرى فيك من مخايل الرشد والسداد، فتكون لنا سيداً، أو مُستشاراً في الأمور، وإن توافقنا على ديننا، فلما سمعنا هذا القول منك انقطع رجاؤنا منك؛ {أتنهانا أن نعبدَ ما يعبد آباؤنا} قبلنا لتصرفنا عن ديننا، {وإننا لفي شكٍّ مما تدعونا إليه} من التوحيد، والتبري من الأوثان. {مُريب}: موقع في الريبة؛ مبالغة في الشك، {قال يا قوم أرأيتُم إن كنتُ على بينة}؛ طريقة واضحة {من ربي} وبصيرة نافذة منه، {وآتاني منه رحمةٌ}: نبوة، {فمن ينصرني من الله}؛ من يمنعني من عذابه {إن عصيته} وأطعتكم في ترك التبليغ، وموافقتكم في الدين الفاسد، {فما تزيدونني} باستتباعكم {غير تَخسير} بترك ما منحني الله به، والتعرض لغضبه، أو فما تزيدونني بما تقولون لي غير تخسير لكم؛ لأنه يجركم إلى الخسران. والله تعالى أعلم.
الإشارة: كل من وجهه الحق تعالى يدعو إلى الله فإنما يدعو إلى خصلتين: إفراد الحق بنعوت الألوهية، والقيام بوظائف العبودية؛ شكراً لنعمة الإيجاد، وتوالي الإمداد. فقول صالح عليه السلام: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، هذا إفراد الحق بالربوبية، وقوله: {هو أنشأكم من الأرض}، هذه نعمة الإيجاد. وقوله: {واستعمركم فيها} هي: نعمة الإمداد، وقوله: {فاستغفروه ثم توبوا إليه}، وهو القيام بوظائف العبودية؛ شكراً لتلك النعمتين. وفي قوله: {إن ربي قريب مجيب}: ترهيب وترغيب.
وقوله تعالى: {قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجواً قبل هذا}: يؤخذ من الآية: أن شُعاع الخصوصية، وآثارها، تظهر على العبد قبل شروق أنوارها، وهو جار في خصوص النبوة والولاية، فلا تظهر على العبد في الغالب حتى يتقدمها آثار وأنوار، من مجاهدة أو أنس، أو اضطرار أو انكسار، أوعِرْق طيب. والله تعالى أعلم. وكل من واجهه منهم تكذيب أو إنكار يقول: {أرأيتم إن كنتُ على بينة من ربي...} الآية. وبالله التوفيق.


قلت: {آية}: نصبت على الحال، والعامل فيها: معنى الإشارة. و{لكم}: حال منها، تقدمت عليها لتنكيرها. و{من خزي يومئذٍ} حذف المعطوف، أي: ونجيناهم من خزي يومئذٍ، ومن قرأ بكسر الميم أعربه، ومن قرأ بالفتح بناه؛ لاكتساب المضاف البناء من المضاف إليه. قاله البيضاوي. وقال في الألفية:
وابْن أَو اعربْ ما كَإِذْ قَدْ أُجرِيا *** واختَرْ بنَا متَلُو فعْل بُنيا
وقَبل فعْل معرب أو مُبْتَدأ *** أعربْ ومنْ بَنَى فَلَنْ يُفنَّدا
وثمود: اسم قبيلة، يصح فيه الصرف باعتبار الحي أو الأب الأكبر، وعدمه باعتبار القبيلة. وقد جاء بالوجهين في هذه الآية.
يقول الحق جل جلاله: قال صالح لقومه بعد ظهور آية الناقة، وقد تقدم في الأعراف قصتها: {هذه ناقةُ الله لكم آيةً} تدل على صدقي، {فذرُوها تأكل في أرض الله}؛ أي: ترعى نباتها وتشرب ماءها، {ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذابٌ قريب}: عاجل، لا يتأخر عن مسكم لها بالسوء إلا ثلاثة أيام. {فعقروها} وقسموا لحمها؛ {فقال} لهم: {تمتعوا}: عيشوا {في داركم}؛ منازلكم {ثلاثة ايام}؛ الأربعاء والخميس والجمعة. وقيل: عقروها يوم الأربعاء، وتأخروا الخميس والجمعة والسبت، وهلكوا يوم الأحد. {ذلك وعدٌ غيرُ مكذوب} فيه، بل هو حق.
{فلما جاء أمرْنا}: عذابنا، أو أمرنا بهلاكهم، {نجينا صالحاً والذين آمنوا معه}، قيل: كانوا ألفين وثمانمائة رجل وامرأة. وقيل أربعة آلاف، وقال كعب: كان قوم صالح أربعة عشر ألفاً، سوى النساء والذرية، ولقد كان قوم عاد مثلهم ست مرات. انظر القرطبي. قلت: وقول كعب: كان قوم صالح... إلخ، لعله يعني الجميع: من آمن ومن لم يؤمن، فآمن ألفان وثمانمائة، وهلك الباقي. وكذا هود، أسلم أربعة آلاف، وهلك الباقي.
قال تعالى: فنجينا {صالحاً} ومن معه {برحمة منا}؛ ونجيناهم {من خِزْي يؤمئذٍ} وهو: هلاكهم بالصيحة، أو من هوان يوم القيامة، {إن ربك هو القوي العزيز}؛ القادر على كل شيء، الغالب عليه، {وأخذ الذين ظلموا الصيحةُ فأصبحوا في ديارهم جاثمين}؛ باركين على ركبهم ميتين، {كأن لم يغنوا}: يعيشوا، أو يقيموا {فيها} ساعة، {ألا إن ثمودَ كفروا ربهم}؛ جحدوه، {أَلا بُعْداً لثمود}؛ هلاكاً وسحقاً لهم.
الإشارة: ما رأينا أحداً ربح من ولي وهو يطلب منه إظهار الكرامة، بل إذا أراد الله أن يوصل عبداً إليه كشف له عن سر خصوصيته، بلا توقف على كرامة. وقد يظهرها الله له بلا طلب؛ تأييداً له، وزيادةً في إيقانه، فإن طلب الكرامة، وظهرت له، ثم أعرض عنه، فلا أحد أبعدُ منه. قال تعالى، في حق من رأى المعجزة ثم أعرض: {ألا بعداً لثمود}. وبالله التوفيق


قلت: سلاماً: منصوب على المصدر، أي: سلمنا سلاماً. ويجوز نصبه بقالوا؛ لتضمنه معنى ذكروا. (قال سلام): إما خبر، أي: أمرنا سلام، أو جواب سلام، وإما مبتدأ، أي: عليكم سلام. وكسر السين: لغة، وإنما رفع جوابه ليدل على ثبوت سلامة؛ فيكون قد حياهم بأحسن مما حيوه به. (فما لبث أن جاء)؛. {ما}: نافية و {أن جاء}: فاعل {لبث}. ونكر وأنكر بمعنى واحد. والإيجاس: الإدراك أو الإضمار. و{من وراء إسحاق يعقوب}: من قرأ بالنصب فبفعل دل عليه الكلام، أي: ووهبنا لها يعقوب. ومن رفعه فمبتدأ، أي: ويعقوب مولود من بعده. و{شيخاً}: حال، والعامل فيه: الإشارة، أي: أشير إليه شيخاً. و{أهل البيت}: نصب على المدح والاختصاص، أو على النداء.
يقول الحق جل جلاله: {ولقد جاءت رسُلنا إبراهيمَ}، وهم الملائكة، وقيل: ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل. وقيل: تسعة جاؤوه {بالبُشرى}؛ بالولد. فلما دخلوا عليه {قالوا سلاماً} أي: سلمنا عليك سلاماً، أو ذكروا سلاماً، {قال سلام} أي: عليكم سلام، {فما لبثَ} أي: أبطأ، {أن جاء بعجل حَنيذ}؛ مشوي بالرضف، أي: بالحجر المحمي. وقيل: حنيذ بمعنى يقطر ودكه. كقوله: {بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذاريات: 26]، فامتنعوا من أكله، {فلما رأى أيديَهم لا تصل إليه}؛ لا يمدون إليه أيديهم، {نَكرهم} أي: أنكر ذلك منهم، {وأوجس}: أدرك، أو أضمر {منهم خفيةً} أي: خوفاً، خاف أن يريدوا به مكروهاً؛ لامتناعهم من طعامه، وكان من عادتهم إذا مس من يطرقهم طعامهم أمنوه، وإلا خافوه.
والظاهر أنه أحسن بأنهم ملائكة ونكرهم؛ لأنه تخوف أن يكون نزولهم لأمر أنكره الله عليه فأمنوه، وقالوا: {لا تخفْ إنا} ملائكة {أرسلنا إلى قوم لوطٍ} لنعذبهم، وإنما لم نأكل طعامك؛ لأنا لا نأكل الطعام. {وامرأته قائمة} من وراء ستر تسمع محاورتهم، أو على رؤوسهم للخدمة، {فضحكتْ} سروراً بزوال الخيفة، أو بهلاك أهل الفساد، أو بإصابة رأيها، فإنها كانت تقول لإبراهيم: اضمم إليك لوطاً، فإني لأعلم أن العذاب نازل بهؤلاء القوم. وقيل: معنى ضحكت: حاضت. يقال: ضحكت الشجرة: إذا سال صَمغُها. وقيل: ضحكت سروراً بالولد الذي بُشرت به. فيكون في الكلام تقديم وتأخير، أي: فبشرناها فضحكت، وهو ضعيف.
قال تعالى {فبشرناها بإسحاقَ ومن وراء إسحاق يعقوبَ} ولد ولدها. وتوجيه البشارة إليها؛ لأنه من نسلها، ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد، {قالت يا ويلتا}؛ يا عجباً، وأصله في الشر، فأطلق على كل أمر فظيع. وقرئ بالياء على الأصل، أي: يا ويلتي {أألدُ وأنا عجوزٌ} ابنة تسعين، أو تسع وتسعين {وهذا بَعْلِي}: زوجي، وأصله: القائم بالأمر، {شيخاً}؛ ابن مائة أو مائة وعشرين سنة، {إنَّ هذا لشيء عجيب} يتعجب منه؛ لكونه نشأ الولد من هرمين.
وهو استغرب من حيث العادة، لا من حيث القدرة، ولذلك قالوا: {أتعجبينَ من أمر الله}؛ منكرين عليها، فإن خوارق العادات باعتبار أهل بيت النبوة، ومهبط الوحي ومظهر المعجزات. وتخصيصهم بمزيد النعم والكرامات ليس ببدع، ولذلك قالوا: {رحمةُ الله وبركاته عليكم أهل البيت} أي: بيت إبراهيم، فلا تستغرب ما يظهر منهم من خوارق العادات، ولا سيما من نشأت وشابت في ملاحظة الآيات، {إنه} تعالى {حميدٌ}؛ فاعل ما يستوجب به الحمد، أو محمود على كل حال {مجيد}؛ كثير الخير والإحسان. أو ممجَّد بمعنى العلو والشرف التام. قال ابن عطية هنا: إن في الآية دليلاً على ان الذبيح إسماعيل لا إسحاق. وفيه نظر. وسيأتي في سورة الصافات ما هو الحق، إن شاء الله تعالى.
الإشارة: من شأن أهل الكرم والامتنان: المبادرة إلى من أتاهم بالبر والإحسان؛ إما بقوت الأرواح، أو بقوت الأشباح. من أتاهم لقوت الأرواح بادروه بإمداد الروح من اليقين والمعرفة، ومن أتاهم لقوت الأشباح بادروه بالطعام والشراب، كُلاً ما يليق به، ومن شأن الضيف اللبيب المبادرة إلى أكل ما قُدِّمَ إليه، من غير اختبار، إلا لمانع شرعي أو عادي. ومن شأن أهل التحقيق والتصديق ألا يتعجبوا مما يظهر من القدرة من الخوارق؛ إذ القدرة صالحة لكل شيء، حاكمة على كل شيء، هي تحكم على العادة، لا العادة تحكم عليها. وهذا شأن الصديقين؛ لا يتعجبون من شيء؛ ولا يستغربون شيئاً، ولذلك توجه الإنكار إلى سارة من الملائكة، ولم يتوجه إلى مريم؛ حيث سألت؛ استفهاماً، ولم تتعجب، ووصفت بالصديقية دون سارة. والله تعالى أعلم.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12